تقول صاحبة القصة :
لا أريد أن تكتبوا قصتي هذه تحت عنوان "دمعة ندم" بل اكتبوها بعنوان "دموع الندم والحسرة" تلك الدموع التي ذرفتها سنيناً طوالاً ، إنها دموع كثيرة تجرّعت خلالها آلاماً عديدة، وإهانات، ونظرات تحتقرني؛ بسبب ما اقترفت في حق نفسي وحق أهلي،وقبل هذا وذاك ربي.
إنني فتاة لا تستحق الرحمة أو الشفقة ، لقد أسأت إلى والدتي وأخواتي، وجعلت أعينهم - دوماً- إلى الأرض، لا يستطيعون رفعها؛ خجلاً من نظرات الآخرين.
كل ذلك كان بسببي، لقد خنت الثقة التي أعطوني إياها ؛ بسبب الهاتف اللعين؛ بسبب ذلك الإنسان المجرّد من الضمير، الذي أغراني بكلامه المعسول ، فلعب بعواطفي وأحاسيسي؛ حتى أسير معه في الطريق السيئ، وبالتدريج شيئاً فشيئاً جعلني أتمادى في علاقتي معه إلى أسوأ منحدر ، كل ذلك بسبب الحب الوهميّ، الذي أعمى عيني عن الحقيقة ، وأدى بي في النهاية إلى فقدان أعزّ ما تفتخر به فتاة، ويفخر به أبواها ، عندما يزفـّانها إلى الشاب الذي يأتي إلى منزلها بالطريق الحلال.
لقد أضعت هذا الشرف، مع إنسان عديم الشرف،إنسان باع ضميره وإنسانيته بعد أن أخذ مني كل شيء ، وتركني أعاني وأقاسي ، بعد لحظات قصيرة قضيتها معه، لقد تركني في محنة كبيرة بعد أن أصبحت حاملاً، وآنذاك لم يكن أحد يعلم بمصيبتي سوى الله، وعندما حاولت البحث عنه كان يتهرّب مني، على عكس ما كان يفعله معي قبل أن يأخذ ما يريد، لقد مكثت في نار وعذاب طوال أربعة أشهر ، ولا يعلم إلا الله ما قاسيته من آلام نفسية؛ بسبب عصياني لربي، واقترافي لهذا الذنب..
ولأن الحمل أثقل نفسيتي وأتعبها، كنت أفكر كيف أقابل أهلي بهذه المصيبة، التي تتحرك في أحشائي، فوالدي رجل ضعيف، يشقى ويكدّ من أجلنا، ولا يكاد الراتب يكفيه، ووالدتي امرأة عفيفة، وفـّرت كل شيء لي؛ من أجل أن أتمّ دراستي؛ لأصل إلى أعلى المراتب.
لقد خيّبت ظنها، وأسأت إليها إساءة كبيرة لا تغتفر، لا زلت أتجرّع مرارتها حتى الآن..
إن قلب ذلك الوحشيّ رقّ لي أخيراً، حيث ردّ على مكالمتي الهاتفية بعد أن طاردته، وعندما علم بحملي عرض علي مساعدتي في الإجهاض وإسقاط الجنين الذي يتحرك داخل أحشائي، كدت أجنّ، كدت أجنّ، لم يفكّر أن يتقدم للزواج مني..
لإصلاح ما أفسده، بل وضعني أمام خيارين، إما أن يتركني في محنتي، أو أن أُسقِط هذا الحمل؛ للنجاة من الفضيحة والعار.
ولما مرّت الأيام دون أن يتقدّم لخطبتي، ذهبت إلى الجهات المسئولة، نعم ذهبت؛ لأخبرهم بما حدث من جانبه، وبعد فترة من الزمن تم القبض عليه، وتبيّن لي أنه أعطاني اسماً غير اسمه الحقيقي، لكنه في النهاية وقع في أيدي رجال الأمن، واتضح أنه متزوج، ولديه أربعة من الأولاد، ووضع في السجن، ولما علمت أنه متزوج، أدركت كم كنت غبية، كم كنت غبية عندما سرت وراءه كالعمياء، ولكن ماذا يفيد ندمي بعد أن وقعت في الهوة السحيقة، التي جعلتني أتردّى داخلها.
لقد ظنّ أنني ما زلت تلك الفتاة التي أعماها كذبه، حيث أرسل إليّ من سجنه امرأة تخبرني بأنني إذا أنكرت أمام القاضي بما حدث منه، فسوف يتزوجني بعد خروجي من السجن، لكنني رفضت عرضه الرخيص.
والآن أكتب لكم بعد خروجي من سجن الشرطة إلى سجن أكبر (منزلي)، ها أنا قابعة فيه، لا أكلّم أحداً، ولا يراني أحد؛ بسبب تلك الفضيحة التي سبّبتها لأسرتي، فأهدرت كرامتها، ولوّثت سمعتها النقية، لقد أصبح والدي كالشبح يمشي متهالكاً، يكاد يسقط من الإعياء، بينما أصبحت أمي هزيلة ضعيفة، تهذي باستمرار، وسجنت نفسها بإرادتها داخل المنزل؛ خشية كلام الناس ونظراتهم.
ثم تختم رسالتها بقول:
إنني من هذه الغربة الكئيبة أرسل إليكم بحالي المرير، إنني أبكي ليلاً ونهاراً، لعل الله يغفر لي خطيئتي يوم الدين، وأطلب منكم الدعاء لي بأن يتوب الله عليّ، ويخفف من آلامي.
فهل بعد هذه العبرة من عبرة؟! وهل بعد هذه العبرات من عبرات؟! إلا لمن كتب عليه الشقاء والعياذ بالله.